عميد الأغنية الشعبية الحاج امحمد العنقى
تعتبر الموسيقى الجزائرية عريقة وقديمة من حيث العادات والتقاليد كما أنها تمثل الشعب بأنغامها الجميلة والرائعة، تحمل الكلمات معاني شعرية جميلة تعطي فكرة عن الحياة اليومية، مما يميز هذه الموسيقى هي الأصوات والقصائد الشعرية ، يمثل الصوت ذاكرة حزينة لأوقات مضت أو عاطفة رومانسية تثلج الصدر أو جلسات مع الأصدقاء أو ذكريات، مما يعطي خلفية جميلة لبلد الجزائر، أما الكلمات فهي تخلق صورا رائعة، يوجد اليوم المئات من المغنيين الموسيقيين الذين يستلهمون من هذه الموسيقى الجميلة والتي يمكن سماعها في كل أنحاء العالم. كما سجلت الأغنية الشعبية حضورها من خلال السهرات الفنية التي تقام في ربوع الجزائر.
عبد القادر بن دعماش: “الشعر الملحون أساس التراث الموسيقي في الأغنية الشعبية”
يقول عبد القادر بن دعماش ، أن الشعر الملحون أساس التراث الموسيقى الجزائري، وبدونه لا يمكن للأغنية الشعبية أن تؤدي لأنها تعتمد عليه بشدة من ناحية صياغة الكلمات المرونة وتناغمها مع البناء الموسيقي الأصيل، ففي السنوات الأولى من ظهور “أغنية الشعبي” لم يكن يوجد سوى القصائد والمدائح الدينية التي تتغنى بالرسول الكريم (عليه الصلاة والسلام)، وبظهور شعراء اختصوا أساسا في تأدية “الشعر الملحون” الذي يتكلم عن المجتمع والحب والعائلة، والدين كقصص الأنبياء مثلا، أخذ مكانة هامة في تاريخ أغنية الشعبي. ويضيف بن دعماش، أنه لا توجد مدرسة للفن الشعبي بمعنى الكلمة لكن توجد تقاليد بتعليم هذا النوع من الموسيقى التراثية عبر مختلف المدن الساحلية، ويتعلق الأمر بصورة “الشيخ وتلميذه” على انفراد، وتسمى هذه العملية “أمانة المشياخة” ونعني بذلك الأمانة التي تعطى من طرف الأستاذ لتلميذه مباشرة حتى يتم تعليمه بشكل صحيح دون تحريف أو أخطاء من شأنها أن تشوه الصورة الحقيقية للموسيقى التراثية في الأغنية الشعبية.
لكن ذلك لم يمنع من وجود ورشات خاصة للتكوين الموسيقي في الأغنية الشعبية بالمعاهد التابعة لمختلف البلديات، ودور الثقافة إلى جانب عدد من الجمعيات الثقافية المتخصصة في هذا النوع الموسيقي العريق في أهم المدن الجزائرية كالجزائر العاصمة، بجاية وعنابة، ومستغانم، فضلا على الورشات التي فتحت بالمهرجان الوطني للأغنية الشعبية منذ 2006، الذي فتح هو الأخر بدوره الأبواب أمام المواهب الشابة التي تطمح لبناء مستقبل واعد في عالم “الأغنية الشعبية” التي تحتاج لفنانين من الجيل الجديد حتى تحافظ على مكانتها واسمها في الوسط الفني، وما على هؤلاء الشباب سوى حمل المشعل وإحياء ذكرى مطربي الشعبي العريقين كالعنقيس، والهاشمي ڤروابي، ودحمان الحراشي. ويؤكد أنه من الملفت أن تكون أغنية الشعبي من الجدير أن تواكب نوعا ما العصرنة التي تساعدها على الصمود أمام ألون موسيقية شبابية أخرى، لكن دون المساس بمحتواها وأصالتها العريقة لأن هذا التراث هو تراث حي، ولهذا الغرض يجب أن يتماشى وعصرنة الزمن، كما لا يمكن إهمال بعض الأمور فيما يخص القواعد العامة التي لها علاقة مباشرة بأغنية الشعبي سواء كانت قديمة أو جديدة، وأهمها الجودة والمحافظة على الشخصية الفردية أو العامة.
امحمد العنقى عميد الأغنية الشعبية
لا تحمل أغنية الشعبي في الجزائر المعنى نفسه للأغنية الشعبية في دول أخرى، فالأغنية الشعبية الجزائري هي سليلة الأغنية الأندلسية الكلاسيكية، ولدت ونشأت وتطورت في الأحياء الشعبية بالعاصمة الجزائرية، خصوصا حي القصبة العتيق. ومن رموز الأغنية الشعبية، الشيخ أمحمد العنقى (1907-1978)، حيث يعود إليه الفضل في تطويرها وتقريبها من البسطاء، وجعلها تعبيرا عن همومهم حتى التصقت بهم وتعلقوا بها، فكان لشيوخها – كما يسمون- سلطتهم الروحية على الناس. كان لهذا النوع من الغناء دور في الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية وربط الناس ببلدهم في أوج فترة الاحتلال الفرنسي. وقد شهدنا جنازة الفنان أعمر الزاهي (1941-2016) شاهدا آخر على الأغنية الشعبية وحجم تأثير مغنيها على الشارع. ويعتبر الباحث المختص في الأغنية الشعبية مهدي براشد هذا النوع “منعطفا ثوريا على الأغنية الأندلسية الكلاسيكية التي سادت إلى غاية مطلع القرن العشرين”. ويضيف أن العنقى مؤسس هذا اللون من الغناء تمكن من نقل الخزانة الشعرية العريقة التي ضمت فطاحل شعراء من المغرب الأقصى إلى المغرب الأدنى في القرون الثلاثة الأخيرة، أمثال قدور العلامي والمغراوي والشيخ النجار وبن سليمان وبن مسايب والمصمودي. وأوضح أن العنقى بسط الكلمات وغير الألفاظ الغامضة وأخرجها من القصور والديار الرحبة إلى المقاهي في أزقة القصبة، كما أحدث ثورة في الآلات، حيث أدخل الماندول والبانجو والغيتار وحتى الأوكورديون.
صارة.ب